You are currently viewing الانضباط كوسيلة للحياة

الانضباط كوسيلة للحياة

عندما نؤمن بحقيقة أن الحياة صعبة، يصبح تقبلنا للحياة وأقدارها أسهل لأننا تقبلنا قاعدة أساسية في الحياة بعدها يصبح كل شيء أسهل. يعيش معظم الناس في وهم أن الحياة يجب أن تكون عادلة أو ممتعة أو وردية. هذه النظرة لن تؤدي إلا إلى خيبة الأمل. في المقابل، فإن فهم أن الحياة صعبة بطبيعتها سيحفزك على تجميع الأدوات التي ستحتاج إليها. الانضباط هو مجموعة من الأدوات التي تحل لنا عدد كبير من مشكلات الحياة، بدون انضباط لا نستطيع حل شيء. لذا ننظر إلى الانضباط كوسيلة للحياة.

ما يجعل الحياة أصعب هو طريقتنا في مواجهة وحل المشكلات. معظمنا يخشى من مواجهة الألم ويحاول تجنب مواجهة المشكلات، نتجاهل وجودها نتناساها حتى أن بعضنا قد يستخدم أدوية مساعدة ويتجاهل أصل المشكلة. لذا نلتف دائمًا حول المشكلة دون حلها. هذه الطريقة من تجاهل للمشاكل والمشاعر المؤذية التي قد تصاحبها قد تكون أساس كل المشاكل النفسية التي يعاني منها البشر.

“الأشياء التي تؤلم، توجه”

المشكلات تستدعي شجاعتنا وحكمتنا. في الواقع، المشكلات هي من تصنع شجاعتنا وحكمتنا وبسببها ننمو عقليًا وروحيًا. عندما نرغب في تشجيع نمو الروح البشرية، فإننا نتحدى ونشجع القدرة البشرية على حل المشكلات، تمامًا كما كنا صغارًا في المدرسة، نضع المشكلات عن عمد لأطفالنا لحلها ونتعلم من خلال ألم مواجهة المشكلات.

فما هي الأدوات الأربعة التي تساعدنا على الانضباط؟

تأخير المتعة
Delaying Gratification

تتحكم فينا دوافعنا ورغباتنا في مطاردة الأمور الممتعة على المدى القصير مما يضرنا كثيرًا. “كم شخص يتصفح الأنترنت الآن تهربًا من مهام العمل؟”

تأخير المتعة يعني المعاناة الآن من أجل مستقبل أفضل فالقدرة على دفع الرغبة في المتعة والالتزام بالمهام الثقيلة أولًا يتناسب طرديا مع النجاح في الحياة. هذه الأداة نعلمها لأطفالنا منذ الصغر، “عليك حل واجباتك المدرسية قبل اللعب” لكن ننساها عند الكبر ونظل نؤجل المهام الثقيلة علينا حتى يصبح عملنا كله مرهق.

في كتاب The Road Less Travelledضرب مثال بمحللة مالية كانت تبدأ عملها كل يوم بالمهام الممتعة بالنسبة لها والتي تستطيع إنجازها بسرعة عالية وتظل عالقة لمدة ست ساعات هي الوقت المتبقي من العمل في مهام روتينية لا تحبذها لكن لا تستطيع إنجازها مما يجعل وقت العمل ثقيل وكارثي لها، لكن ماذا لو عكست توقيت المهام؟ ماذا لو بدأنا بالمهام الثقيلة وانتهينا بالسهلة؟

لا أحد يحب أن ينتظر شيئًا جيدًا وهو يستطيع الحصول عليه على الفور. يفضل الكثير منا تناول الحلوى قبل العشاء، ونميل إلى أن نعيش حياتنا وفقًا لنفس الفلسفة. اختيارك للألم الآن على أمل الحصول على المتعة مستقبلًا هو طريقك الصحيح بدلًا من اختيار الاستمرار بالمتعة الحالية وتأجيل الألم “الذي لا بد من مواجهته” للمستقبل.

تقبل المسؤولية
Acceptance of responsibilities

تقبل المسؤولية غير مريح عاطفيًا وعليه فإن إقرارك بأن كل ما تمر به أنت سبب في وجوده هو أمر عليك الإيمان به. إلقاء اللوم على الآخرين أو المجتمع هو ما يفعله الكثيرين تجنبًا لتحمل مسؤولية قراراتهم. وتظل مشكلة التمييز بين ما نحن مسؤولين عنه وما يقع خارج مسؤوليتنا في هذه الحياة هي واحدة من أعظم مشكلات الوجود البشري.

هل تبدو عبارة “هذه ليست مشكلتي” مألوفة لك؟ إنها طريقة شائعة للتفاعل مع الأشياء التي نفضل عدم التعامل معها. لكن تذكر: الهروب لا يحل أي شيء. عندما نسعى إلى تجنب المسؤولية عن سلوكنا، فإننا نفعل ذلك من خلال محاولة إعطاء هذه المسؤولية إلى شخص آخر أو منظمة أو كيان آخر.

لا يمكننا حل أي مشكلة إلا عندما نقول “هذه هي مشكلتي والأمر متروك لي لحلها”. لكن الكثير، يسعون إلى تجنب ألم مشاكلهم بالقول لأنفسهم: “هذه المشكلة سببها أشخاص آخرون، أو بسبب ظروف اجتماعية خارجة عن إرادتي، وبالتالي فإن الأمر متروك لأشخاص آخرين أو للمجتمع لحل هذه المشكلة “.

عدم تحمل المسؤولية يساوي أيضًا تحمل مسؤولية أكبر من طاقتنا كبشر. عندما كان المؤلف وهو طبيب نفسي يكمل تدريبه في العيادات النفسية، أثارت هذه العادة السيئة رأسها القبيح. كان منزعجًا من العمل لساعات أطول من زملائه وذلك بسبب رؤيته لمرضى خارج وقت الدوام الرسمي. ولكن عندما اشتكى للمشرف المسؤول عن تدريبه قال له: “إنها ليست مشكلتي. إنها مشكلتك أنت”.

ولأشهر، كان بيك غاضبًا من المشرف لتجنبه المسؤولية، بينما كان بيك نفسه في الواقع هو الذي كان يتجنب المشكلة. لم يجبره أحد على العمل أكثر. كان الأمر متروكًا له وحده لإيجاد حل. كان وقته وكان مسؤوليته وهو بنفسه حدد طريقته لاستخدام وقته بخدمة مرضى أكبر من قدرته.

السعي نحو الحقيقة
Dedication to the truth

يعاني معظمنا من مشاكل في مواجهة الواقع لأنه لا يتماشى مع الطريقة التي نريد أن يعمل بها العالم. كلما رأينا العالم أكثر وضوحًا، أصبحنا أفضل استعدادًا للتعامل معه. كلما تجاهلنا رؤية حقيقة العالم، كلما ارتبكت أذهاننا بالمفاهيم الخاطئة والأوهام وقلت قدرتنا على تحديد مساراتنا في الحياة.

إن نظرتنا للواقع تشبه الخريطة التي يمكن من خلالها التحرك عبر تضاريس الحياة. إذا كانت الخريطة صحيحة ودقيقة، فسنعرف بشكل عام أين نحن، ويسهل علينا أن نقرر إلى أين نريد أن نذهب لكن إذا كانت الخريطة خاطئة وغير دقيقة، فإننا ببساطه نتوه!

ما نحتاجه هو “المشاركة” باستمرار في رسم خريطة حياتنا. علينا أن نبني بشكل مستمر وجهة نظر عملية عن العالم بدلاً من التشبث بآراء عفا عليها الزمن. يتجاهل الناس الواقع لأنه مرهق ووفقًا لبيك، يتخلى معظم الناس عن سعيهم وراء الحقيقة والمعنى في حياتهم بنهاية فترة المراهقة وبحلول منتصف العمر يتخلى معظمهم عن المحاولة. هذا يبدو فظيعًا إلى حد ما ولكن عندما نفكر في كيفية عيش معظمنا للحياة، فهذا ليس بعيدًا عن الحقيقة.

لا تكمن المشكلة الأكبر في أن خرائطنا غير دقيقة بل في فشلنا -خاصة مع تقدمنا في العمر- في مراجعتها. العالم يتغير دائمًا، تأتي دول وتذهب دول، تغزو ثقافات وتنحدر أخرى. في مكان ما هناك القليل من التكنلوجيا وفي مكان آخر هناك أكثر مما نحلم به. وبشكل أكثر دراماتيكية، فإن وجهة النظر التي ننظر من خلالها إلى العالم تتغير باستمرار وبسرعة كبيرة.

عندما عملنا بجد على مدى سنوات عديدة لإنشاء خريطة نعتقد أنها تمثل العالم الذي نعيش فيه، فإننا نميل إلى تجاهل المعلومات التي قد توحي بأننا بحاجة إلى إعادة رسم خريطتنا ونصبح بلا وعي دفاعيين. في كثير من الأحيان لا نتجاهل هذه المعلومات بشكل سلبي. نذهب أبعد من ذلك. نحن نستنكرها أو نحاربها. نشعر أن الأشخاص الذين يستمعون إليها أغبياء، ونحن الوحيدون الذين نرى الحقيقة. لذا بدلاً من تغيير خريطتنا، غالبًا ما نحاول تدمير الواقع الجديد وأولئك الذين يشتركون فيه.

يتم تجنب الحقيقة أو الحقيقة عندما تكون مؤلمة. لا يمكننا مراجعة خرائطنا إلا عندما يكون لدينا الانضباط للتغلب على هذا الألم. للحصول على مثل هذا الانضباط، يجب أن نكون مكرسين تمامًا للحقيقة. وهذا يعني أننا يجب أن نتمسك دائمًا بالحقيقة، بأفضل ما يمكننا تحديده، لنكون أكثر أهمية، وأكثر حيوية لمصلحتنا الذاتية، من راحتنا. بالمقابل، يجب أن نعتبر دائمًا عدم ارتياحنا الشخصي غير مهم نسبيًا، بل في الواقع، حتى نرحب به في خدمة البحث عن الحقيقة.

الطريقة الوحيدة التي يمكننا بها التأكد من أن خريطتنا صحيحة ودقيقة هي تعريضها لانتقادات الآخرين. قد تكون هناك إجابة أفضل من الإجابة التي لديك. نحن بحاجة إلى منظر خارجي. وإلا فإننا نعيش في نظام مغلق. الميل إلى تجنب التحدي هو سمة من سمات الطبيعة البشرية.

التوازن
Balancing

الأداة الأخيرة لتحسين الانضباط هي التوازن. يجب أن نتعلم متى نتخلى عن جوانب معينة من أنفسنا سعياً وراء مستقبل أفضل. يعطي مثالاً شخصياً للعب الشطرنج مع ابنته ذات ليلة مدرسية. في حين أن ابنة بيك راضية عن قضاء الوقت مع والدها وإنهاء المباراة في منتصف الطريق، فإن بيك نفسه مصمم على إكمال اللعبة على الرغم من تأخر الوقت. والنتيجة النهائية جدال ومشاعر سلبية بين الاثنين. يعترف بيك أن هوسه بإكمال اللعبة أدى إلى إغضاب ابنته وكان من الممكن تجنب ذلك بسهولة إذا تخلى قليلاً عن جديته في اللعب وكان أكثر مرونة.

التوازن هو النظام الذي يمنحنا المرونة. المرونة مطلوبة للنجاح في الحياة في جميع المجالات الشخصية والعملية. هذا يعني التخلي عن العادات غير الصحية والسلوكيات المتطرفة التي تُخرج حياتك من حالة التوازن. قد يكون من المؤلم التخلي عن الأشياء التي تمنحك شعور “النشوة” والاندفاع، لكن فقدان توازنك يمكن أن يضرك أكثر.

يعاني الجميع بدرجة أكبر أو أقل من قصور في أنظمة الاستجابة المرنة. جزء كبير من عمل المعالجين النفسيين في محاولة مساعدة مرضاهم على السماح بأنظمة الاستجابة الخاصة بهم بالعمل بشكل صحيح أو جعلها تصبح أكثر مرونة.

 

المشكلات حولنا يستحيل أن تختفي من تلقاء نفسها، يجب علينا العمل عليها ومجاهدة أنفسنا أو ستبقى للأبد عائق في نمونا العاطفي والروحي. إن السير في الطريق الذي لا يسير فيه الكثير من الناس ليس بالأمر السهل، فهو يتطلب مجهودًا وعملًا متواصلًا والإيمان بحق بفكرة الانضباط كوسيلة للحياة.

Source: The Road less travelled; Chapter 1 (Discipline)