تعد مشكلات الصحة العقلية أحد أكبر المشكلات في بيئة العمل اليوم، حيث تتسبب في ضياع أكثر من ٧٠ مليون يوم عمل كل عام. وهذا يشمل كل الأمراض العقلية بدءًا من الأعراض الأكثر شيوعا كالتوتر والقلق، وصولاً إلى حالات أكثر تعقيدًا، مثل الاكتئاب الشديد والاضطراب ثنائي القطب. ومع وجود جائحة كورونا التي تسببت بأكثر أعوام العمل إرهاقًا في حياة الناس ازداد الأمر سوءًا، مما أثر سلبًا على الصحة العقلية لـ٧٨٪ من القوى العاملة حول العالم.
على عكس العديد من الحالات الصحية الجسدية، هناك وصمة عار مرتبطة بمشاكل الصحة العقلية. وفي مجتمعنا قد يكون من الصعب وغير المريح تقبل مناقشة المشاعر والعواطف، وليس من السهل الإفصاح عما إذا كان شخص ما يعاني من مشكلة في الصحة العقلية. والمشكلة أنه إذا تركت مشاكل الصحة العقلية في العمل دون تدخل؛ فقد يكون لها تأثير كبير على حياة الموظفين الشخصية والمهنية، مما يؤثر بالنهاية على مؤشرات الآداء للمنظمات والشركات.
إن حالة الصحة العقلية السيئة لها تداعيات خطيرة على بيئة العمل من عدة نواح، من أهمها:
الإنتاجية
أظهرت الأبحاث أن مشاكل الصحة العقلية عند عدم معالجتها؛ تؤدي إلى خسارة ملحوظة في الإنتاجية في بيئة العمل إما بسبب الغياب أو الحضور المّقنع (الحضور إلى العمل بدون أي انتاجية). وتقدر منظمة الصحة العالمية تكلفة اختلال واضطراب الصحة العقلية على الاقتصاد العالمي من الإنتاجية المفقودة بحوالي ١ تريليون دولار سنويًا.
النفقات الطبية
يؤدي ضعف الصحة العقلية بين الموظفين إلى ارتفاع التكاليف الطبية. وقد بينت إحدى الدراسات عبء التكلفة على الموظفين المكتئبين. فالموظفون الذين أفادوا بأنهم مكتئبون أو غير قادرين على إدارة الإجهاد أو كلًا الأمرين، كانت تكلفتهم أعلى بنسبة تصل إلى ٧٠٪ و٤٦٪ و١٤٧٪ على التوالي مقارنة بالموظفين الذين لم يواجهوا عوامل الخطر هذه.
معدل دوران الموظفين
يؤدي الاحتراق الوظيفي في بيئة العمل إلى زيادة معدل دوران الموظفين ويجعل من الصعب على أصحاب العمل الاحتفاظ بالموظفين الحاليين. إن إعطاء الأولوية لتعزيز صحة الموظف في بيئة العمل يجعل الموظف مخلصًا للمنظمة وينظر إليها على أنها تهتم به. ومع الزمن لن يبقى الموظفون في المنشآت التي تهمل هذا الجانب الحيوي من الرفاه والصحة. مع إدراك المنظمات والشركات بجميع أشكالها وأحجامها بشكل متزايد بأهمية الصحة العقلية الجيدة، فإن الكثير منها ببساطة لا يشعر بالثقة في التعامل مع هذه المشكلات والتواصل معها في بيئة العمل. لو سألت نفسك: هل تفعل منظمتك ما يكفي؟ حيث يعتقد ٧٦٪ من الموظفين حول العالم أن منظماتهم يجب أن تبذل المزيد لحماية الصحة العقلية للقوى العاملة لديها.
كيف تضيف الصحة العقلية إلى أجندة المنظمة؟
- قم بإعداد دراسة الجدوى:
من المفهوم أن كبار القادة يتعرضون لضغوط متزايدة لخفض التكاليف وتحسين العائد على الاستثمار، وقد لا يتضح لهم مدى تأثر مؤشرات الآداء بالصحة العقلية للموظفين. كن مستعدا ً لتقديم دراسة الجدوى مع أرقام تدعم ذلك. كن مستعدا بأرقام حول معدل دوران الموظفين، والولاء للمنظمة، والنفقات الطبية المتزايدة، وقم بإحضار التعليقات ذات الصلة من مقابلات الخروج من العمل (Exit Interview).
- ضع أهدافًا:
نعمل جميعا بشكل أفضل إذا كانت لدينا أهداف واضحة نعمل على تحقيقها، ولا يختلف الأمر عند الصحة العقلية في بيئة العمل. حدد المؤشرات الرئيسية للصحة العقلية مع توضيح طريقة كيفية قياسها والمستوى الذي يجب أن تحققه الشركة، وتأكد من أنها جزء لا يتجزأ من أهداف الآداء للمنظمة.
- اختر لحظتك:
فكر في أفضل الأوقات لتقديم الفكرة إلى الإدارة العليا والحصول على تأييدهم. في عالم ما بعد كورونا يبدو أي وقت مناسبًا لكن تستطيع أيضا اختيار بعض التواريخ المهمة؛ بما في ذلك أسبوع التوعية بالصحة العقلية في مايو، أو اليوم العالمي للصحة العقلية في أكتوبر. ومع ً ذلك، لا تشعر أنه يتعين عليك الانتظار. هناك أيضا العديد من المعالم الداخلية التي يمكن أن تساعد في وضع الصحة العقلية على جدول الأعمال؛ مثل اجتماعات مجلس الإدارة، واستطلاعات الموظفين، وتقارير غياب الموظفين.
يجب أن تكون الصحة العقلية أولوية لأي منظمة، ومن الضروري الحصول على تأييد من الإدارة العليا والتأكيد على أهمية إجراء محادثات حول الصحة العقلية والرفاه النفسي على مستوى مجلس الإدارة. للمزيد عن السياسات والاستراتيجيات التي يمكن اتباعها يمكنك الاطلاع على دليلنا المنشور عن الصحة العقلية في بيئة العمل.